حول العالم
أقدم نكتة بالتاريخ
فهد عامر الأحمدي
بدون مزاح؛ لا يمكن تعقب أقدم نكتة بالتاريخ كون النكتة ذاتها واقعاً ساخراً رافق الإنسان منذ وجوده على سطح الأرض.. وقد يكون ابتكار النكتة نفسها هو أقدم نكتة في التاريخ ظهرت بين عائلة آدم الصغيرة بغرض إضحاك الآخرين.. ولأنها في الغالب نكتة (شفوية) فهذا يعني أنها أقدم بكثير من ظهور النكتة المكتوبة - كون الكتابة نفسها لم تبتكر إلا قبل خمسة آلاف عام في سومر (وبالتالي من الطبيعي أن تكتشف أقدم نكتة مكتوبة في سومر نفسها). wolverhampton university
وفي عصرنا الحاضر تتميز جامعة وولفرهامبتون بامتلاك قسم متخصص يأخذ على عاتقه دراسة تاريخ النكتة وعلاقتها بالطبيعة البشرية. وقد أعلن مؤخرا عن اكتشافه أقدم نكتة مكتوبة في التاريخ ( 1900عام قبل الميلاد) في موقع أثري في جنوب العرق حيث ازدهرت الحضارة السومرية.. ولم يكن موقع كتابتها مفاجئاً (في أحد الحمامات) ولكنها مثل كل النكات التي تكتب في (ذلك المكان) يصعب نشرها على صفحات الجرائد - وإن كانت تبدأ بسؤال بريء يتضمن إجابة تتهكم على المتزوجات حديثا -.!
أما ثاني أقدم نكتة في التاريخ فهي فرعونية الأصل وتعود الى 1600عام قبل الميلاد؛ وهي بعكس النكتة “العراقية” يمكن ذكرها (خصوصا أنها تبدو مألوفة بشكل غريب) حيث تبدأ بالحوار التالي:
- كيف ترفع معنويات الفرعون سنوفرو حين يذهب لصيد السمك؟
- الجواب: ترمي أحد العبيد بدون أن يدري ثم تصرخ بأعلى صوتك هناك سمكة كبيرة ياسيدي!!
.. وهذه النكتة الفرعونية (بالمناسبة) قد تكون أقدم نكتة سياسية في التاريخ - وهو النوع الذي برع فيه الانجليز في العصر الحديث بفضل ماضيهم الاستعماري القريب.. والنكتة السياسية عموما تلقى رواجا بين الناس كلما زادت لديهم نسبة الإحباط والشعور بالظلم والقهر. وأذكر أيام الغزو الاسرائيلي لقطاع غزة وتدمير جنين أن شاعت بين الناس النكتة التالية:
- عقد الرئيس الإسرائيلي شارون مؤتمرا صحفيا مع الرئيس بوش قال خلاله شارون:
.. وقد أعطانا الرئيس بوش الضوء الأخضر لقتل 14مليون مسلم وخمسة خراف وطبيب أسنان واحد!!!
استغرب الصحفيون وتدافعوا للسؤال:
ولماذا بالذات خمس خراف وطبيب أسنان واحد ؟؟
وهنا ابتسم شارون وانحنى على بوش هامساً: ألم أقل لك لن يهتم أحد بقتل 14مليون مسلم!!
.. على أي حال..
النكت - بأنواعها - لا يمكن أن تكون بريئة تماما كونها تعتمد على السخرية أو التشمت أو التشفي أو تحقير مشاعر وأفكار الآخرين.. أضف لهذا تتضمن بعض النكات جانبا دينيا محرما أو عنصريا بغيضا أو قسوة غير مبررة تجاه البؤساء والعاثرين؛ ففي المجتمعات المتحررة مثلا تدخل الملائكة والشياطين ورجال الدين والذات الإلهية كعناصر رئيسية في النكات الملقاة.. كما تملك كل الشعوب فئات مستهدفة (على اساس عرقي أو ديني أو مناطقي) يتم اسقاط النكات عليها بشكل دائم؛ فمعظم النكات في بريطانيا مثلا تبدأ بقولهم “هناك رجل اسكتلندي” أو “رجل ايرلندي” أو حتى “امرأة من ويلز”، في حين تبدأ النكات المصرية بقولهم “فيه واحد صعيدي” أو “واحد يهودي” (غير أن المُلقي لا يدرك أنه يلجأ لهذه الطريقة لتبرئة نفسه مقدما واختصار نواقص المجتمع في فئة محدودة لا تتعلق بمستمعيه)!!.
.. كل هذا يثبت أن النكتة - رغم مظهرها البسيط ونتيجتها الباسمة - وسيلة تعبير قوية تتضمن كافة الآراء والمواقف البشرية (وأصفها شخصيا بالكاريكاتور الشفوي).. وهي بالتأكيد ابتكار بشري ذكي كونها - هي ذاتها - تركيبة لغوية وعقلية وثقافية معقدة.. أضف الى هذا أنها تتطلب من كافة الأطراف قدرا متساويا من الذكاء والمعرفة وخلفية لغوية وثقافية مشتركة (فسائقك الهندي مثلا يجب أن يتمتع بقدر مرتفع من الذكاء وإتقان جيد للغة العربية واطلاع عميق على التراث العربي حتى يفهم مغزى حديثك من مسمار جحا)!.
.. وبمناسبة الحديث عن المسمار..
هل تعرف كم كان طوله ب “الإنش”!!؟؟