رؤيا الله جل شأنه
رؤيا الله جل شأنه
قال الأستاذ سعيد رضي الله عنه : من رأى في منامه كأنه قائم بين يدي الله تعالى ، و الله ينظر إليه، كأن الرائي من الصالحين، فرؤياه رؤيا رحمة، و إن لم يكن من الصالحين فعليه بالحذر، لقوله تعالى: ( يوم يقوم الناس لرب العالمين ) المطففين 6. فإن رأى كأنه يناجيه، أكرم بالقرب، و حبب إلى الناس قال الله تعالى : ( و قربناه نجيا ) مريم 52. و كذلك لو رأى أنه ساجد بين يدي الله تعالى، لقوله تعالى : ( و أسجد و اقترب ) العلق 19. فإن رأى أنه يكلمه من وراء حجاب حسن دينه، و أدى أمانة إن كانت في يده و قوي سلطانه. و إن رأى أنه يكلمه من غير حجاب ، فإنه يكون خطأ في دينه، لقوله تعالى : ( و ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من و راء حجاب ) الشورى 51. فإن رآه بقلبه عظيما، كأنه سبحانه قربه و أكرمه و غفر له، أو حسابه أو بشره، و لم يعاين صفة، لقي الله تعالى في القيامة كذلك فإن رآه تعالى قد وعده المغفرة و الرحمة، كان الوعد صحيحا لا شك فيه، لأن الله تعالى لا يخلف الميعاد، لكنه يصيبه بلاء في نفسه، أو معيشته، ما دام حيا. فإن رآه تعالى كأنه يعظه، انتهى عما لا يرضاه الله تعالى . قوله تعالى : ( يعظكم لعلكم تذكرون) النحل90 فإن كساه ثوبا. فهو هم و سقم ما عاش، و لكنه يستوجب بذلك الشكر الكثير فقد حكى أن بعض الناس رأى كأن الله كساه ثوبين، فلبسهما مكانه، فسأل ابن سيرين، فقال : استعد لبلائه، فم يلبث أن جذم إلى أن لقي الله تعالى، فإن رأى نورا تحير فيه فلم يقدر على وصفه، لم ينتفع بيديه ما عاش فإن رأى أن الله تعالى سماه باسمه أو اسما آخر، علا أمره و غلب أعداءه، فإن أعطاه شيئا من متاع الدنيا فهو بلاء يستحق رحمته. فإن رأى كأن الله تعالى ساخط عليه فذلك يدل على سخط والديه عليه، فإن رأى كأن أبويه ساخطان عليه، دل ذلك على سخط الله عليه، لقوله عز اسمه : ( أن أشكر لي و لوالديك ) لقمان 14. و قد روى في بعض الأخبار :" رضا الله في رضا الوالدين، و سخط الله تعالى في الوالدين " و قيل : من رأى كأن الله تعالى غضب عليه، فإنه يسقط من مكان رفيع لقوله تعالى : ( و من يحلل عليه غضبي فقد هوى ) طه 81. و لو رأى كأنه سقط من حائط أو سماء أو جبل، دل ذلك على غضب الله تعالى عليه، فإن رأى نفسه بين يدي الله عز و جل، في موضع يعرفه انبسط العدل و الخصب في تلك البقعة، و هلك ظالموها و نصر مظلوموها. فإن رأى كأنه ينظر إلى كرسي الله تبارك و تعالى نال نعمة و رحمة، فأن رأى مثالا أو صورة فقيل له إنه إلهك أو ظن أنه إلهه سبحانه، فعبده و سجد له، فإنه منهمك في الباطل، على تقدير أنه حق، و هذه رؤيا من يكذب على الله تعالى. فإن رأى كأنه يسب الله تعالى، فإنه كافر لنعمة ربه، عز وجل و غير راضِ بقضائه
رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم
رؤيا المصطفى صلى الله عليه و سلم ثم رؤيا المصطفى صلوات الله و سلامه عليه و هي ما أخبرنا سهل بن أبي يحي الفقيه ، قال: حدثنا جعفر بن محمد العريبي، قال : حدثنا هشام بن عمار، قال حدثنا صدقة، قال حدثنا ابن جابر عن سليمان بن عامر الكلاعي، قال : حدثنا أبو أمامة الباهلي، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : " بينما أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بضبعي فأخرجاني و أتيا بي جبلا وعرا فقالا لي أصعد، فقلت لا أطيقه قالا : إننا سنسهله لك، قال فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل، إذا أنا بصوت شديد فقلت : ما هذه الأصوات فقالا: عواء أهل النار ثم انطلقا بي، فإذا بقوم معلقين بعراقيبهم مشققة تسيل أشداقهم دما، فقلت من هؤلاء؟ قالا: هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم، فقلت: خابت اليهود و النصارى- قال سليمان فلا أدري أشيء سمعه أبو أسامة عن النبي صلى الله عليه و سلم، أو شيء قاله برأيه – ثم انطلقا بي، فإذا بقوم أشد منهم انتفاخا و أنتنهم ريحا، كأن ريحهم المراحيض، فقلت من هؤلاء؟ قالا هؤلاء الزانون و الزواني، قال ثم إنطلقا بي فإذا بغلمان يلعبون بين نهرين، فقلت: من هؤلاء قالا : هؤلاء ذرارى المسلمين. ثم شرفا بي شرفا فإذا بنفر ثلاثة يشربون من خمر لهم ، فقلت من هؤلاء؟ قالا هؤلاء زيد و جعفر و ابن رواحه، ثم شرف بي شرفا آخر، فإذا بنفر ثلاثة، قلت : من هؤلاء؟ قالا هؤلاء هم إبراهيم و موسى و عيسى عليهم السلام و هم ينتظرونك و أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن إبراهيم، قال : حدثني علي بن محمد الوراق، قال حدثنا أحمد بن محمد بن نصر، قال : خبرنا يوسف بن بلال عن محمد بن مروان الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس، قال سحر رسول الله صلى الله عليه و سلم و أخذ عن عائشة فاشتكى رسول الله صلى الله عليه و سلم، حتى تخوفنا عليه فبينما هو صلى الله عليه و سلم بين النائم و اليقظان ، إذ ملكان أحدهما عند رأسه و الآخر عند رجليه فقال الذي عند رأسه للذي عند رجليه: فقال الذي عند رأسه للذي عند رجليه: ما شكواه؟ ليفهم عنهما صلى الله عليه و سلم قال: طب قال : و من فعله؟ قال : لبيد بن أعصم اليهودي، قال أين صنعه؟ قال: في بئر ذروان، قال : فما دواؤه ؟ قال : يبعث إلى تلك البئر فينزح ماءها، ثم ينتهي إلى صخرة فيقلعها، فإذا فيها وتر كربة، عليها إحدى عشر عقدة، فيحرقها فيبرأ إنشاء الله، أما إنه إن بعث إليها استخرجاها، قال فاستيقظ صلى الله عليه و سلم و قد فهم ما قيل له قال: فبعث عمار بن ياسر و رهطا من أصحابه إلى تلك البئر، و قد تغير ماؤها كأنه ماء الحناء، قال فنزح ماءها ثم انتهى إلى الصخرة فاقتلعها، فإذا تحتها كربة في الكربة وتر فيه إحدى عشر عقدة ، فأتوا به رسول الله صلى الله عليه و سلم. فنزلت هاتان السورتان : ( قل أعوذ برب الفلق ) و ( قل أعوذ برب الناس) و هما إحدى عشرة آية . فكلما قرأ آية انحلت عقدة، فلما حل العقد قام النبي صلى الله عليه و سلم فكأنما نشط من عقال، قال: و أحرق الوتر. قال و أمر النبي صلى الله عليه و سلم، أن يتعوذ بهما و كان لبيد يأتي رسول الله صلى الله عليه و سلم فما ذاكره النبي صلى الله عليه و سلم، و لا رؤى في وجهه شيء فهذه جملة دالة على تحقيق أمر الرؤيا و ثبوتها في أحبار كثيرة يطول الكتاب بذكرها قال الأستاذ أبو سعيد رضي الله عنه: لما رأيت العلوم تتنوع أنواعا، منها ما ينفع في الدنيا دون الدين و منها ما ينفع فيهما جميعا، و كان علم الرؤيا من الاختصار مستعينا بالله في إتمامه على ما هو أرضى لديه، و أحب إليه، و مستعيذا به من وباله و فتنته، و الله تعالى ولي التوفيق، و هو حسبنا و نعم الوكيل
رؤيا سيدنا إبراهيم صلى الله عليه و سلم
و مما يدل على تحقيق الرؤيا في الأصل، أن إبراهيم صلى الله عليه و سلم رأى في المنام أنه ذبح ابنه، فلما استيقظ ائتمر لما أمر به في منامه، قال الله عز وجل حكاية عنه: ( يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فأنظر ماذا ترى قال يا أبت أفعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين ) الصافات 102 فلما علم إبراهيم عليه السلام برؤياه، و بذل جهده في ذلك، إلى أن فرج الله عنه بلطفه، علم به أن للرؤيا حكما
رؤيا يوسف عليه السلام
ثم رؤيا يوسف عليه السلام، و هي ما أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد، قال أخبرنا الحسن الأزهري قال حدثنا محمد بن أحمد بن البراء، قال حدثنا عبد المنعم بن إدريس، قال: حدثني أبي عن وهب بن منبه أن يوسف بن يعقوب عليه السلام، رأى رؤيا و هو يومئذ صبي نائم في حجر أحد إخوته و بيد كل رجل منهم عصا غليظة، يراعى بها، و يتوكأ عليها، و يقاتل بها السباع عن غنمه، و ليوسف عليه السلام قضيب خفيف دقيق صغير، يتوكأ عليه، و يقاتل به السباع عن غنمه، و يلعب به و هو إذ ذاك صبي في الصبيان ، فلما إستيقظ من نومه و هو في حجر أحد إخوانه، قال ألا أخبركم يا إخواني برؤيا رأيتها في منامي هذا، قالوا : بلى , فأخبرنا، قال: فإني رأيت قضيبي هذا غرز في الأرض، ثم أتي بعصيكم كلها فغرزت حوله فإذا هو أصغرها و أقصرها، فلم يزل يترقى في السماء و يطولها حتى طال عصيكم، فثبت قائما في الأرض، و تفرشت عروقه من تحتها، حتى انقلعت عصيكم، فثبت قائما و سكنت حوله عصيكم فلما قص عليهم هذه الرؤيا، قالوا : يوشك ابن راحيل أن يقول أنتم عبيدي و أنا سيدكم، ثم لبث بعد هذا سبع سنين، فرأى رؤيا فيها الكواكب و الشمس و القمر فقال لأبيه : ( يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا و الشمس و القمر رأيتهم لي ساجدين ) يوسف 4 فعرف يعقوب تأويل الرؤيا و خشي عليه اخوته، فالقمر أبوه و الشمس أمه، و الكواكب اخوته فقال : ( يا بني لا تقصص رءياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا ) يوسف 5 . و ذكر القصة إلى أن قال
و رفع أبويه على العرش ) يوسف 100 يعني أجلسهما على السرير، و آواهما إلى منزله، و خر له أبواه و اخوته سجداً و تعظيماً له، و كانت تحية الناس في ذلك الزمان السجود، و لم تزل تحية الناس السجود حتى جاء الله تعالى بالإسلام، فذهب بالسجود و جاء بالمصافحة، ثم إن يعقوب عليه السلام رأى في المنام قبل أن يصيب يوسف ما فعل اخوته و هو صغير، كأن عشرة ذئاب أحاطت بيوسف و يعقوب على جبل، و يوسف في السهل، فتعاورته بينهم فأشفق عليه و هو ينظر إليه من فوق الجبل، إذ انفرجت الأرض ليوسف، فغار فيها، فتفرقت عنه الذئاب فذلك قوله لبنيه : ( أخاف أن يأكله الذئب ) يوسف 13
رؤيا آدم عليه السلام
قال الأستاذ أبو سعيد رضي الله عنه: فهذه الأخبار التي رويناها، تدل على أن الرؤيا في ذاتها حقيقة، و أن لها حكما و أثرا و أول رؤيا رويت في الأرض، رؤيا آدم عليه السلام، و هي ما أخبرنا به محمد بن عبد الله بن حمدويه، قال أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد بن إسحاق، قال : حدثنا محمد بن أحمد بن البراء، قال حدثنا بن إدريس عن أبيه عن وهب بن منبه، قال: أوحى الله تعالى إلى آدم عليه السلام، أنك قد نظرت في خلقي، فهل رأيت لك فيهم شبيهاً، قال : لا يا رب، و قد كرمتني و فضلتني و عظمتني، فأجعل لي زوجاً تشبهني، و أسكن إليها حتى توحدك و تعبدك معي، فقال الله تعالى له : نعم، فألقى عليه النعاس، فخلق منه حواء على صورته، و أراه في منامه ذلك، و هي أول رؤيا كانت في الأرض. فانتبه و هي جالسة عند رأسه فقال له ربه: يا آدم ما هذه الجالسة التي عند رأسك؟ فقال له آدم : الرؤيا أريتني في منامي يا إلهي