الوارث
قال تعالى:
{وإنا لنحن نحيى الموت ونحن الوارثون "23"} (سورة الحجر)
هو من له ما في السماوات والأرض، رب كل شيء ووارثه، ورازقه، وراحمه، وهو الباقي بعد فناء خلقه الذي لا يشركه في ملكه أحد، وإليه يرجع كل شيء. ثم لنتدبر هذا الدعاء من سورة الأنبياء:
{رب لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين "89"} (سورة الأنبياء)
يا الله، أنت الوارث الحق المبين. يقول الحق سبحانه:
{ونحن الوارثون "23"} (سورة الحجر)
فيدل على أن هناك تركة كبيرة، قالوا: لأن كل ما تراه عينك في الكون هو ملك لله؛ لأنه سبحانه هو الذي خلق وأوجد، فكل هذه الأشياء تعود إليه سبحانه وتعالى مرة أخرى، فكأنه يرثها.
قال تعالى:
{إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون "40"} (سورة مريم)
فكما خلقها الله أولا تعود إليه ثانياً، ولا تظن أنك أنقصت شيئاً في الكون، لأنك لو نظرت إلي مقومات الحياة من هواء ومن ماء وطعام يخرج من الأرض، لوجدت الكميات الموجودة هي هي لا تزيد ولا تنقص. فالماء مثلاً لو قدر للإنسان أنه شرب ألف طن من الماء في حياته، نقول له: أنت لم تخزنها في جسمك، بل إن هذا الماء يخرج كل يوم في البول والغائط والعرق والإفرازات الأخرى، فأنت تزن الماء الذي في جسمك فقط، والذي يمثل 90% من وزنك، والباقي الذي شربته من الماء خرج وذهب ليأخذ دورته في الحياة.
إذن: فكمية الماء التي خلقت من أول الخلق كما هي، ولذلك اقرأ قول تعالى:
{والذاريات ذرواً "1" فالحاملات وقراً "2" فالجاريات يسراً "3" فالمقسمات أمراً "4"} (سورة الذاريات)
الذاريات هي الرياح، والحاملات وقراً هي السحاب، والجاريات يسراً أي ستجري بيسر، والمقسمات أمراً هي الملائكة، تعطي بعض المطر هنا وبعضه هنا حسب مشيئة الله تعالى.
وقوله تعالى:
{وإنا لنحن نحيى الموت ونحن الوارثون "23"} (سورة الحجر)
يعلمنا الله أن الموت والحياة أمران يخصان الكائن الحي، ولا تظن أن الموت والحياة خاصان بنا فقط؛ لأننا لا ندركها إلا فينا، ولكن كل شيء تنتهي مدة أجله في الحياة يسمى ميتاً. وكل شيء تبدأ له مهمة في الحياة يكون حياً، بدليل أن الحق سبحانه وتعالى قال:
{كل شيء هالك إلا وجهه .. "23"} (سورة القصص)
فكل ما يطلق عليه أنه شيء سيحدث له هلاك فقد كان حياً، ولكن هل الهلاك مقابل الحياة؟ نعم لأن الله تعالى قال:
{ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حى عن بينةٍ .. "42"} (سورة الأنفال)
إذن: فكل شيء هالك، أي: كان حياً ثم هلك، وكما نقول: الجماد سيهلك، إذن: فقد كانت له حياة، والحياة حركة تناسب الحي في مهمته، والهلاك ضد الحياة. فبالنسبة للجماد قد نرى حجراً كان له لون معين، وبعد مدة من الزمن تغير لونه، فهذا جرانيت، وهذا رخام، وهذا مرمر، وهكذا هذا التغير معناه أن فيه حركة من ذاته، ولو لم يكن فيه حركة في ذاته لكان كل شيء يبقى على حاله. إذن: فقوله تعالى: (نحي ونميت) خذها على أوسع معانيها، وخذ (الوارثون) أيضاً على أوسع معانيها، لماذا؟ لأن الوارث الذي نعرفه هو الذي يرث من مات، فهكذا ربنا سبحانه سيرث كل ما كنا نرثه.
قال تعالى:
{إنا نحن نرث الأرض ومن عليها .. "40"} (سورة مريم)
فانظر ميراث ربنا سبحانه، ورث المتروك والتارك أيضاً، والمسألة طبيعية؛ لأن الله تعالى ليس في حاجة أن يقول؛ إن الكون كله ملكه، لأنه خلقك وخلقه لك، لكن الوارث في الدنيا يأخذ من عمل التارك، ولا يرثه، إنما يرث المتروك ويبعد التارك، ويدفنه في الأرض، فانظر الفرق، والوارث من البشر يرث المتروك من البشر.
إنما لا يرث الذي ورثه، بل يدفنه ولا يستطيع أعز إنسان على الميت أن يؤخر دفنه يوماً، بل يسارع إلي دفنه إذن: فأنت هذا وذاك، فالله نعم الوارث.