كأس ونحس
هالة حسن طاهر الحضيري
بدون تعليق
عاد زوجي من صلاة العشاء وعلامات ظاهرة على وجهه هي خليط من الدهشة والحزن!
وعندما بادرته بالسؤال عن سبب ذلك؟ رد في وجوم: حال المسجد اليوم يُبكي.
فلطالما كان مكتظا بالمصلين في صلاتي المغرب والعشاء حيث لا دوام في
وقتيهما.. أما اليوم فالصف الثالث في المسجد لم يكتمل.
استغربت وزال استغرابي عندما علمت أن مباراة مهمة تدور رحاها في ذلك
الوقت، والجماهير من المتفرجين الأشاوس كانوا يتابعونها في شغف ليعرفوا
صاحب النصيب في تحقيق النصر المأزر.
نطق زوجي في مرارة كلمة اهتزت لها جوارحي.. (نجح اليهود).
مرت أمام عيني أحداث فلسطين منذ أن وطئها أول فوج يهودي ليستوطن أرضها.
واسترجعت ما يحاك ضد الإسلام والمسلمين من أيام مكائد اليهود والمنافقين في
المدينة النبوية المشرفة ضد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته
الكرام، مرورا بمحاولات زرع الوهن والفرقة بين صفوف المسلمين وتقزيمهم
لدويلات متصارعة على الحكم، من بعد أن كانوا لا شغل لهم أهم من إعلاء كلمة
التوحيد. وصولاً لما نحن فيه من حملات صريحة ومكشوفة لإلهاء شباب المسلمين
خاصة والعالم عامة؛ كي لا يجدوا في أنفسهم ما يتوق لمعرفة الحق واتباعه.
كأس العالم هذا اللهو الكبير الذي يشغل الناس من أصغرهم لأكبرهم (إلا من
رحم ربي) كم وكم انتظره المنتظرون.. وفرح بمقدمه الفرحون.
المضحك المبكي أن بعض المؤسسات تخطط لبرامجها وأنشطتها بحيث لا يتعارض
وقتها مع وقت كأس العالم. يا للسخرية! كم من مشاريع وبرامج تنفذ بشكل
عشوائي لا يراعى فيها لا المهم ولا عديم الأهمية. أما كأس العالم فيحسب له
ألف ألف حساب.
تجد من الموظفين من يتابع المباريات ويتلقط أخبارها من مكان عمله. في حين
الذي كان لا يقوم الليل ولو قليلا تراه الآن لا يجد مشقة في سهر الليالي؛
لمتابعة مباراة مباشرة أو حضور تسجيل لمباراة لم يتسن له متابعتها في
وقتها.
تحضرني الآية الكريمة من سورة الجمعة: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ
لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ
اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ
الرَّازِقِين) (11).
وكم كثرت من حول شباب المسلمين الملهيات. ليس عبثا أو مصادفة، وإنما في
تخطيط مدروس ومحبوك. وضيقت الحلقة على الشباب دونما أن يعي ذلك. فمن نفذ من
قيد ملهاة ستار أكاديمي لا يسمح له بالفرار من فتنة كأس العالم!.
وما يزيد المرارة أن الاعتقاد السائد أن كأس العالم هو تنافس شريف بروح
رياضية يشجع على الرياضة. ويقول بعض القائلين:"وهل الشرع يتعارض مع
الرياضة!".
لا يا سادة .. الشرع لا يتعارض مع الرياضة.
إنما: يتعارض مع ضياع العبادة.
يتعارض مع اللهو والفجور بدعوى التشجيع.
يتعارض مع شقاق ذات البين بدافع التنافس الأرعن.
يتعارض مع النظر في عورات الآخرين سواء الرجال أو النساء.
يتعارض مع الانجراف مع ما يتبعه اليهود والنصارى دونما إدراك للعواقب.
يتعارض مع هدر الوقت الذي سيحاسب عنه المرء فيما أفناه، وضياعه في مالا
يفيد تاركين الأهم والمهم.
ثم هذا الكأس.. الصنم الذهبي الذي يرنو إليه العالم بأكمله.. أي شيء يمثل؟
وماذا يحقق من نعيم! . كي نرتبط به كل هذا الارتباط في أشد وأحنك ظروف
الأمة. في أيام عصيبة تحتاج منا أقل ما تحتاج إلى دعاء مؤمن قلبه شغوف بحب
الله لا بحب الكؤوس.
موقع لها أون لاين