يلفنا الرحيل بعذاباته ويستنطق لوعته على ملامح الحزن فينا عند لحظات الوداع..فنرتحل
بلهيب شوق يبدأ منذ أن تصافح يدنا يد مودعينا ودمعة حائرة تختار أن تبقى حبيسة العين..
ونمضي في طريقنا..لا نلتفت للخلف فالصورة مؤلمة أشد من أن يحتملها القلب الجريح
و بداخلنا..تشتعل شمعة أمل تبحث عن لقاء وسط ظلمة الرحيل،!
ولتكتمل الصورة..فلم يجبرنا شئ على ذاك الرحيل إلا أحلامنا ورحلة بحث عن ذات،!
نعم..نحن من اخترنا بإرادتنا،!
ونحن من سيحتمل ويصبر..لننال في نهاية الأمر بغيتنا ولتثمر أحلامنا خصبة على أرض الواقع،
رغم ذلك،،فأننا دائما ما نركن إلى لحظة اللقاء في خيالاتنا مرارا وتكرارا
فنعيشها لنفوق بعدها من كل تلك الخيالات ونمضي مبتسمين نخفي بداخلنا غربة وطن،!
وعندما تحين تلك اللحظة حقا..فلا تسأل عن حالنا..يتراقص القلب طرباً متناغما مع موسيقى
اللقاء..
لكن..هذه المرة اختلف الحال..وانتهت لحظة اللقاء قبل بدايتها..لتنطفئ تلك الشمعة قبيل
أوانها.. وأظلم القلب بعدها ..وكساني الألم رداء..والوجوم لا يفسر ملامحي
..جل أمنياتي أن لا تحط الطائرة على أرض الوطن
لكنما الواقع دائما ما يعاكس الأمنيات..فالساعات التي كنت أراها طويلة..ما بالها اليوم قصرت؟!
أحطت على غير الموعدِ..لا لم تزد ولم تنقص لكنها النفس من اختلقت هذا!
..آه لو تبقين
معلقة هكذا..فالوصول هذه المرة مؤلم يكتم الأنفاس..
لا أحتمله..
فبأي حال عدتُ لك يا وطني ؟!
،
يكللني الوجع.والانكسار..وقلبٌ جريح لا يحملني..أسير على غير هدى
مبعثر في عمق مشاعري..فكم هي ثقيلة تلك الأمانة التي حملتني يا صديقي،!
رحلت..وأنت من كنت للقاء متشوقا..كنت تخبرني سأضم أبي وأقبل كفه
وأمي..بين أحضانها سأرتمي..سأستنشق هواء وطني وسأملئ الأزقة بأصواتي..
لكنك..قتلته في المهد صبيا قبل أن يبلغَ..وتركتني وحيداً..بين عبراتي،!
،
أتممت كل تلك الإجراءات الروتينية ..وبألم الكون ذهبت لأتسلم ذاك
الصندوق الذي يحملك "جثة"..لم أعد أحتمل أكثر وذاك المجهود الذي بذلته قبلا..
قد أتم طاقتي ..فسقطت أرضا من هول الموقف ..
،
سرعان ما استقمت واقفا بعد أن تذكرت حروفك الأخيرة
وسدني تراب الوطن"
،
حملتك بيدي لم أقبل أن يحمل الصندوق غيري..ومن خلف ذاك الزجاج رأيت الحشد
الذي ينتظر عودتك..وعيونهم لهفى..
لقد أتى الجميع يا صديقي قم وأفق وأستقبلهم بحضنك..لا
تقتل لهفتهم..!
،
أنزلت رأسي بألم بعد أن رأيت كل تلك العيون المصوبة نحوي ..وحالما خرجت
من بوابة القادمين..استقبلتني أحضان والدك المفجعوعه بفقدك..
"أرفع رأسك يا ولدي وتعال أضمك لحضني..أشم رائحة الغالي..تعال وسكّن
قلب أدماه الوجع..وأروي أمل اللقاء بعد طول الغياب"
وسالت تلك الأدمع الطاهرة من مقلتيه وأبكاني..
ونطق الصمت الذي اعتراني منذ فقدك
ضج المطار بعويلنا من عظم المصاب الدامي،،!
وكان لقائك بهم من عمق رحيلك..رحيل بلا عودة إلى الباري،،!
آه..يا صديقي
لفقدك قد أضناني..،!