لسعات النحل فعالة لأمراض الروماتيزم والمفاصل وضغط الدم
القاهرة - "السياسة" - محسن حسن:
الحشرة في تراثنا تحمل الكثير من دلالات السخرية والهوان , وترتبط لدى الغالبية بالانحطاط والهامشية, ولانها ترتبط بعدوى الأمراض المتنقلة ,ظلت مكروهة ومنبوذة فالصرصور مخيف ومزعج, والخنفساء كريهة الرائحة وبطيئة الحركة, والديدان لزجة ومقززة والنمل مؤذ ومتطفل والنحل مفزع وشديد الخطورة إذا نالتك منه لسعة فسيكون الألم هو مصيرك المحتوم.. هكذا اعتقادنا في تلك المخلوقات الحشرية, التي تحفل بها بيئاتنا, وأحيانا بيوتنا, انها ضارة, ومسببة للأمراض, ولا يأتي من ورائها خير, واليوم.. وبعد هذا التاريخ الطويل لهذا الاعتقاد الراسخ, يغير العلم وجهتنا, ويصحح من اعتقاداتنا وأفكارنا تجاه الحشرات الزاحفة والطائرة, فلم تعد هذه الكائنات "ضارة ومتطفلة فقط" كما ظن البعض, وإنما هي أيضاً "نافعة ومفيدة" وأصبحت ¯ بفضل اكتشافات العلم الحديث- مجالاً خصباً لراحة الجسم وشفائه من الآلام المزمنة, والأدواء المستعصية.
فالعقرب مثلا من أشد الزواحف إثارة للخوف, لما يتردد عن سمه الزعاف, الذي أودى بحياة الكثيرين, الا ان جراحى الأعصاب بالجمعية الأميركية لعلم الأورام السريري تمكنوا من إخضاع العقرب لتجارب جادة أثمرت عن تخليق نوع جديد من البروتين الفعال في علاج " سرطان الدماغ الذي يعد من اخطر الأورام السرطانية . . كما انه وبعد تجارب عديدة بحث العلماء خلالها عن فوائد الحشرات العلاجية والطبية تأكد لهم ان عددا كبيرا من الحشرات تنتج كمية متنوعة من المواد الكيميائية الفعالة و تخفي تحت جلدها علاجات كثيرة. هنا استطلاعات لآراء بعض المتخصصين في مجال الحشرات:
الخنفساء تعالج السرطان
وحول رأيه في"العلاج بالحشرات" يقول الدكتور عاطف عبد الرازق ¯ الأستاذ بقسم الحشرات بالمركز القومي للبحوث بالقاهرة ¯ هناك بالفعل أبحاث عدة يتم إجراؤها على الحشرات لاستخلاص المواد المفيدة علاجياً في مجال الاستحداثات الدوائية, فهناك مادة تسمى "القيتين" وهي موجودة في الأغشية الخارجية للحشرة ويستخرج منها مواد تدخل في تركيبات بعض الأدوية لعلاج الأمراض الجلدية وهناك مواد تستخرج من داخل معدة الحشرة تسمى "ميكروأورجانيزم" وتعمل على حماية الحشرة من أي ميكروبات أخرى ما دفع الباحثين لاستخدامها في تركيبات المضادات الحيوية, ويؤكد أنه مهما كانت الحشرة ضارة أو مقززة إلا أنها يمكن الاستفادة منها في تحضير مركبات قد يكون الإنسان في أشد الحاجة إليها أو تكون ملهمة للباحثين في اكتشاف علاج معين لمرض مزمن أو خطير, فقد عثر العلماء في بطن الخنفساء على مادة لزجة لها قدرة كبيرة على تدمير خلايا البنكرياس السرطانية بنسبة تفوق ال¯70 في المئة تبعاً لحالة المريض وطبيعة انتشار الأورام السرطانية, ونظرا لطبيعة العلاقة المتشائمة بين البشر وبين الخنفساء فإن العلماء يسعون إلى استخلاص عقار يمكن بلعه بالنسبة للمريض بدلاً من التعامل المباشر مع بطن الخنفساء.
التخسيس بالنمل
وتؤكد منال السبكي - باحثة زراعية بجامعة القاهرة- ان التجارب اثبتت ان "قرصة النمل" مفيدة طبيا في استعادة حيوية الجسم و تنشيط الدورة الدموية وزيادة الكريات الحمراء إضافة إلى قيامها بإنعاش الخلايا العصبية في أسفل الدماغ , و تكرار القرص بالنمل في منطقة واحدة يؤدي إلى تليف الجلد ومن ثم تحقيق قدرة أكبر له على تحمل الحرارة ومقاومة البكتيريا بينما تبين ان تكرار القرص في أكثر من منطقة يمنح الأوعية الدموية للإنسان قدرة عالية على مقاومة السموم ويخفف العبء عن الكبد.
وتضيف: المثير ان التجارب التي اجراها علماء في هيئة علوم الحشرات بكندا كشفت عن دور مهم لقرص النمل في الحد من ظاهرة البدانة والسمنة من خلال توظيف ما يعرف ب¯ "اللعاب الأيوني" الذي يفرزه النمل القارص الذي ثبت انه يعمل على حرق الدهون بنسبة 90 في المئة في المنطقة المقروصة.
لسعات النحل
ويشير محمد عبد الراشد باحث باكاديمية البحث العلمي بالقاهرة الى أن لسعات النحل وسيلة فعالة لعلاج أمراض الروماتيزم والمفاصل وضغط الدم المرتفع, وكان قدماء المصريين يصنعون بعض المنشطات الصحية من أقراص العسل ودونوا ملاحظات تؤكد ان النحالين أكثر صحة وحيوية بفضل تعرضهم للسعات النحل وفي فرنسا مثلا يعد هذا العلاج هو الأحدث لتصلب الصفائح الدموية وهو علاج يتفوق في رأي معظم الأطباء الفرنسيين على أغلب الأدوية والعقاقير المستخدمة في هذا الشأن ومنها الكورتيزون ومضادات الالتهابات كما ان الصمغ الذي تفرزه الشغالات يساعد في شفاء أمراض جلدية مزمنة كالصدفية وبعض انواع الاكزيما .
الأرملة السوداء
ويقول الدكتور أحمد تيمور ¯ الأستاذ بطب الأزهر ¯ العلاج بالحشرات له جذور ضاربة في القدم حيث عرف لدى العرب قديماً استخدام دودة "العلق" لعلاج ضغط الدم المرتفع, والامر لا يقتصر على التراث العربي بل إن استخدام العلاج بالحشرات موجود لدى الغرب أيضاً قديماً وحديثاً وهناك استخدام ما يسمى ب¯ black widow أو الأرملة السوداء وهي أنثى العنكبوت ضمن جزء من علاج أشمل يسمى "الهوميوباثي" وهو علاج يعتمد على نظرية "داوني بالتي كانت هي الداء" أي استخدام المادة المسببة للمرض في التخلص من المرض وهو أسلوب نشأ في أوروبا القديمة وأعيد اكتشافه مرة أخرى في العصر الحديث لدرجة أنه توجد في لندن كلية خاصة بهذا العلاج منذ منتصف القرن العشرين .. وعلى سبيل المثال تستخلص بعض مواد علاجية للذبحة الصدرية من أنثى العنكبوت حيث وجد العلماء أنها تفرز سماً يؤدي عند دخوله للجسم إلى ضيق حاد في الشرايين التاجية للقلب ينتج عنه آلام مبرحة تعرف بالذبحة الصدرية ولكن مناط العجب أنهم وجدوا عند تخفيف هذا السم لدرجة كبيرة أنه يشفي من آلام الذبحة الصدرية أي أنه سم وترياق في آن واحد, ورغم كل هذه الفوائد التى اثبتتها الابحاث والتجارب الا اننى احذر من الانسياق العشوائي وراء كل ما يثار حول العلاج بالحشرات لأن هناك حالات تم علاجها بشكل عشوائي ونتج عنها مضاعفات خطيرة فقد عولجت إحدى السيدات من مرض كبدي بشكل سيئ عن طريق قرص النحل وكان من نتيجة ذلك وفاتها وبالتالي لابد من تقنين استخدام هذه الأبحاث ومراعاة القواعد العلمية في تحري الدقة العلاجية.
حشرات.. للشيخوخة
الدكتور عبد الهادي مصباح ¯ أستاذ المناعة والميكروبيولوجي ¯ يقول »إن العلاج باستخدام الحشرات يبدو علاجاً غير مألوف لكن جرت العادة أن تستخرج بعض المواد الموجودة في الحشرات و يكون لها مثيل في جسم الإنسان في علاج بعض امراض الوراثة كما هو الحال في ذبابة الفاكهة أو الديدان الاسطوانية (النيماتودا), فقد أمكن من خلال التتابع الوراثي لحشرة ذبابة الفاكهة التدخل في الجينات الخاصة لهذه الحشرة والمرتبطة بموت الخلية وشيخوختها وهو ما ساعد بدوره العلماء على النجاح في إطالة عمر الحشرة أربعة أضعاف عمرها الاعتيادي ,ما اتاح إمكانية التفكير في تطبيق ذلك على الإنسان وهو ما يعد المعضلة الكبرى التي تشغل الباحثين الآن لإيقاف زحف الشيخوخة وإطالة عمر الإنسان استناداً إلى قانون التشابه في التتابع الوراثي بين الإنسان والحشرة.. بالطبع كل ذلك يعد انتصارات علمية الا ان الامر يحتاج لحذر شديد خوفاً من الخطأ في بعض التداخلات العلاجية غير المقننة كما يشترط في أي دواء حشري للإنسان أن يتم تجريبه بشكل كامل على المراتب الأقل في الحيوانات والحشرات, وإذا كانت منطقة جنوب شرق آسيا هي الأكثر استخداما لهذه النوعية من العلاج لاشتهارهم بالطب التقليدي إلا أن العلاج بالحشرات في منطقتنا العربية لا يجب التساهل فيه حتى لا يوظف مستقبلاً في خدمة الدجل والدجالين.